أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
الأربعاء يناير 28, 2015 8:03 am الأحد يناير 11, 2015 12:01 pm الأحد ديسمبر 07, 2014 9:04 am السبت يونيو 21, 2014 8:10 am الجمعة يونيو 20, 2014 5:04 pm الأربعاء يونيو 18, 2014 2:48 pm الأربعاء يونيو 18, 2014 2:46 pm الأربعاء يونيو 18, 2014 2:44 pm الأربعاء يونيو 18, 2014 9:56 am الأربعاء يونيو 18, 2014 9:36 am
السؤال (24): (لا) في قوله تعالى: (مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) هل هي زائدة؟.
زعم بعض النحويين أنّ (لا) في قوله تعالى: (مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) زائدةٌ, وتقدير الكلام عندهم: ما منعك أن تسجد, وقد ورد قوله تعالى في سورة ص: (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) (ص: من الآية75)، من دون (لا).
القول بأنّ (لا) زائدة غير صحيح، لأنه غير جائز أن يكون في كتاب الله كلاماً زائداً لا معنى له, وقد أجاب المفسرون على هذا القول بعدة إجابات:
(1) فقال بعضهم: دخلت (لا) في قوله تعالى (أن لا تسجد) لأن في أول الكلام جحداً وهو قوله تعالى: (لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) والعرب ربما أعادوا الجحد في الكلام الذي فيه الجحد للاستيثاق والتوكيد وشاهد ذلك من اللغة قول الشاعر:
ما إن رأينا مثلهن لمعشر * سود الرؤوس فوالج وفيول
فأعاد على الجحد وهو (ما) جحداً وهو (إن) للتوكيد.
(2) وقال آخرون: المنع هنا بمعنى القول فتأويل الكلام هو من قال لك لا تسجد, كقولهم: ((حلفت أن لا تجلس)) أي قلت: لا تجلس, وقولهم: ((ناديت أن لا تقم)) أي قلت لا تقم.
(3) وقال الطبري في تأويل ذلك: إنّ في الكلام محذوفاً (فأحوجك) وتأويل الكلام عنده ((ما منعك من السجود فأحوجك أن لا تسجد)) فترك ذكر (فأحوجك) استغناء بمعرفة السامعين, وهو الصحيح.
السؤال (25): يستدل القائلون ببطلان القياس على قولهم بأن إبليس أول من قاس فهل هذا صحيح؟ أي هل إبليس أول من قاس؟ وهل القياس باطل؟.
القول بأنّ إبليس أول من قاس صحيح، وأما القول بأن القياس باطل فباطل, لأنّ إبليس قاس فأخطأ القياس.
وذلك أنه لم يسجد لآدم لأنّه خلق من نار وخلق آدم من طين، وهو يرى أنّ النار أفضل من الطين, ووجه الخطأ في القياس:
(1) أنه قاس في مقابلة النص ولا قياس مع النص, لأنّ القياس نوع من الاجتهاد ولا اجتهاد فيما ورد فيه النص.
(2) وقال بأنّ النار أفضل من الطين والصحيح هو العكس, أي الطين أفضل من النار ومنه بطلان قياس إبليس, وتفصيل ذلك:
قال ابن عباس: ((وكانت الطاعة أولى بإبليس من القياس فعصى ربه وهو أول من قاس برأيه))(القرطبي).
وقال ابن عباس: ((أول من قاس إبليس فأخطأ القياس, فمن قاس الدين برأيه قرنه الله مع إبليس)) (القرطبي).
وقال ابن سيرين: ((أول من قاس إبليس, وما عُبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس)) (الطبري).
وقال الحسن البصري: ((قاس إبليس وهو أول من قاس)) (الطبري).
وقال الطبري في تفسيره: ((ولذلك كان الحسن وابن سيرين يقولان: (أول من قاس إبليس) يعنيان بذلك القياس الخطأ)).
وقال ابن كثير: ((وقاس قياساً فاسداً في مقابلة نص قوله تعالى: (فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (الحجر: من الآية29) فشذ من بين الملائكة لترك السجود، فلهذا أُبلس من الرحمة أي أويس من الرحمة, فأخطأ قبحه الله في قياسه)).
قال القرطبي في تفسيره: وقد قال الصحابة والتابعون وجمهور من بعدهم بصحة القياس، وأن التعبد به جائز عقلاً وشرعا، ورده النظام من المعتزلة وبعض أهل الظاهر.
قال البخاري في كتاب (الاعتصام بالكتاب والسنة): ((المعنى لا عصمة لأحد إلا في كتاب الله أو سنة نبيه أو في إجماع العلماء إذا وجد فيها الحكم، فإن لم يوجد فالقياس)).
وترجم البخاري على هذا ((باب من شبه أصلاً معلوماً بأصل مبين قد بين الله حكمها ليفهم السائل)).
وترجم بعد هذا ((باب الأحكام التي تعرف بالدلائل وكيف نعرف معنى الدلالة وتفسيرها)).
وقال الطبري: ((الاجتهاد والاستنباط من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم هو الحق الواجب والفرض اللازم لأهل العلم, وبذلك جاءت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جماعة الصحابة والتابعين)).
وقال أبو تمام المكي: ((أجمعت الأمة على القياس)).
(1) قال أبو بكر رضي الله عنه: ((أقيلوني بيعتي)), فقال علي رضي الله عنه: ((والله لا نقيلك ولا نستقيلك, رضيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا أفلا نرضاك لدنيانا؟)). فقاس الإمامة على الصلاة.
(2) وقاس أبو بكر الصديق رضي الله عنه الزكاة على الصلاة فقال: ((والله لا أفرق بين ما جمع الله)).
(3) وصرح علي رضي الله عنه بالقياس في شارب الخمر في محضر من الصحابة فقال: ((إنه إذا سكر هذى, وإذا هذى افترى)) فحده حد القاذف.
(4) وكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه كتاباً فيه: ((الفهمَ الفهمَ فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في الكتاب والسنة, اعرف الأمثال والأشباه ثم قس الأمور عند ذلك, فاعمد إلى أحبها إلى الله تعالى وأشبهها بالحق فيما ترى)) (أخرجه الدار قطني).
ثم قال القرطبي في تفسيره:
((وأما الآثار وآي القرآن في هذا المعنى فكثير, وهو يدل على أنّ القياس أصل من أصول الدين, وعصمة من عصم المسلمين, يرجع إليه المجتهدون, ويفزع إليه العلماء العاملون, فيستنبطون به الأحكام, وهذا قول الجماعة الذين هم الحجة، ولا يُلتفت إلى من شذ عنها. وأما الرأي المذموم والقياس المتكلف المنهي عنه فهو ما لم يكن على هذه الأصول المذكورة. لأن ذلك ظن ونزغ من الشيطان, قال تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) (الإسراء: من الآية36) وكل ما يورده المخالف من الأحاديث الضعيفة والأخبار الواهية في ذم القياس فهي محمولة على هذا النوع من القياس المذموم، الذي ليس له في الشرع أصل معلوم)).
السؤال (26): أيهما أفضل النار أم الطين؟.
ظاهر النصوص القرآنية هو احتجاج إبليس بتفضيل نفسه على آدم على أساس من أن النار أفضل من الطين, ولكن الله تعالى لم يقره على ذلك:
وحيث إنّ الله تعالى لم يقر إبليس بتفضيله النار على الطين فالصحيح إن شاء الله أنّ الطين أفضل من النار.
وقد عدد الإمام القرطبي في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن) أوجه تفضيل الطين على النار فذكر:
(1) إنّ من جوهر الطين الرزانة والسكون, والوقار والأناة, والحلم والحياء والصبر, وذلك هو الداعي لآدم عليه السلام، بعد السعادة التي سبقت له في علم الله، إلى التوبة والتواضع والتضرع, فأورثه الله المغفرة والاجتباء الهداية. ومن جوهر النار الخفة والطيش، والحدة والارتفاع والاضطراب وذلك هو الداعي لإبليس ــ بعد الشقاوة التي سبقت له في علم الله ــ إلى الاستكبار والإصرار, فأورثه الله الهلاك والعذاب واللعنة والشقاء.
(2) إنّ الخبر ناطق بأن تراب الجنة مسك أذفر, ولم ينطق الخبر بأن في الجنة نارا، وأن في النار تراباً.
(3) إنّ النار سبب العذاب, وهي عذاب الله لأعدائه, وليس التراب سبباً للعذاب.
(4) إنّ الطين مستغنٍ عن النار, والنار محتاجة إلى المكان، ومكانها التراب.
(5) إنّ الطين مسجد وطهور، كما جاء في صحيح الحديث ((وجعلت لي الأرض مسجداً وطهورا)) (البخاري)، والنار تخويف وعذاب كما قال تعالى: ) ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ( (الزمر:16).
قال ابن كثير: ((فأخطأ قبحه الله في قياسه ودعواه أن النار أشرف من الطين أيضاً, فإنّ الطين من شأنه الرزانة والحلم والأناة والتثبت, والطين محل النمو والنبات والزيادة والصلاح, والنار من شأنها الإحراق والطيش والسرعة, ولهذا خان إبليس عنصره, ونفع آدم عنصره بالرجوع والإنابة والاستكانة والانقياد والاستسلام لأمر الله والاعتراف وطلب التوبة والمغفرة)).
السؤال (27): لماذا قال تعالى: (إلى يوم الوقت المعلوم) ولم يقل (إلى يوم يبعثون)؟.
الإنظار في كلام العرب معناه: الإمهال والتأخير, وإبليس سأل الله تعالى أن ينظره إلى يوم البعث أي إلى يوم القيامة, فأجابه الله بأن أنظره إلى يوم الوقت المعلوم وليس إلى يوم يبعثون, فما هو الفرق بينهما؟.
إن يوم الوقت المعلوم هو النفخة الأولى، حيث يكون الهلاك والموت قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ) (الزمر:68).
وأما يوم يبعثون فهو النفخة الثانية، حيث يقوم الناس لرب العالمين وعندها لا موت بعد البعث (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) (الزمر:68).
ولو أعطي ما سأل من التأخير إلى يوم يبعثون أي إلى يوم القيامة، لكان أعطي الخلود والبقاء وعدم الفناء.
قال السدّي: ((فلم ينظره إلى يوم البعث ولكن أنظره إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم ينفخ في الصور النفخة الأولى فصعق من في السموات ومن في الأرض, فمات)) (الطبري).
وهذا السؤال من إبليس هو من جهالاته وضلالاته، إذ أنه طلب من الله مالا سبيل لأحد من خلق الله إليه، وذلك أنّ الله تعالى يقول: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) (آل عمران: الآية185).
السؤال (28): لماذا قال إبليس (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ), ولم يقل من فوقهم ومن تحتهم؟.
قوله تعالى نقلاً عن إبليس: (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ) (الأعراف:17).
قال ابن عباس: ((قوله (من بين أيديهم) يقول: أُشككهم في آخرتهم (ومن خلفهم) أرغِّبهم في دنياهم, (وعن أيمانهم) أشبه عليهم أمر دينهم, (وعن شمائلهم) أُشهي لهم المعاصي)) (الطبري).
وقال ابن عباس: ((قوله (من بين أيديهم) يعني من الدنيا (ومن خلفهم) من الآخرة (وعن أيمانهم) من قبل حسناتهم (وعن شمائلهم) من قبل سيئاتهم)) (الطبري).
قال مجاهد: ((قول الله (من بين أيديهم) (وعن أيمانهم) حيث يبصرون، (ومن خلفهم) (وعن شمائلهم) حيث لا يبصرون)) (الطبري).
وقال مجاهد: ((هو كما قال, يأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن إيمانهم وعن شمائلهم)) (الطبري)، أي يأتيهم من الجهات الأربع.
قال الإمام الطبري في تفسير هذه الآية: ((وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال: معناه ثم لآتينهم من جميع وجوه الحق والباطل, فأصدهم عن الحق, وأحسِنُ لهم الباطل)).
ولم يقل من فوقهم لأن رحمة الله تنزل على عباده من فوقهم.
قال ابن عباس: ((ولم يقل من فوقهم لأن الرحمة تنزل من فوقهم)) (الطبري).
قلت: ولم يقل من تحتهم لأنه يكون في موضع الضعف ويكونون في موضع القوة، فلا سلطان له عليهم في هذه الحالة. قال الإمام الشوكاني في تفسيره (فتح القدير): ((قوله (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ) ذكر الجهات الأربع لأنها هي التي يأتي منها العدو عدوه, ولهذا ترك ذكر جهة الفوق والتحت. وعُدِّي الفعل إلى الجهتين الأوليين بمن, وإلى الأخريين بعن, لأن الغالب فيمن يأتي من جهة اليمين والشمال أن يكون منحرفاً, فناسب في الأوليين التعدية بحرف الابتداء, وفي الآخرين التعدية بحرف المجاوزة, وهو تمثيل لوسوسته بمن يأتي حقيقة)).
وقال الإمام البيضاوي في تفسيره (أنوار التنزيل): ((قوله (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ) أي من جميع الجهات الأربع... ولم يقل من فوقهم ومن تحت أرجلهم,وقيل: لم يقل من فوقهم لأن الرحمة تنزل منه, ولم يقل من تحتهم لأن الإتيان منه يوحش الناس)).
السؤال (29): ما هي العلاقة بين المعصية وبين انكشاف العورة؟.
صرح القرآن في أكثر من موضع بأن سبب انكشاف عورة آدم وحواء هو الأكل من الشجرة أي فعل المعصية.
وقال تعالى: (فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا) (الأعراف:22).
وقال تعالى: (فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما) (طه:121).
والعلاقة بين المعصية وانكشاف العورة هي أنّ المعصية تورث الذل والخزي والإهانة، وأنّ الطاعة تورث العز والكرامة، حيث إنّ انكشاف العورة هو شكل من أشكال الذل والخزي والإهانة, ومن النصوص التي أشارت إلى هذه العلاقة:
فظاهر النص القرآني هو الربط بين المعصية والمذلة كالربط بين السبب والنتيجة, حيث إنّ الذلة والمسكنة والغضب من الله كان نتيجة للمعصية بأشكالها وأنواعها المختلفة, كمخالفة الأمر أو فعل المنهي عنه أو الاعتداء على الناس أو الكفر بآيات الله أو قتل الأنبياء بغير الحق.
وهذه الآية تدل كسابقتها على العلاقة الصميمة بين المعصية والمذلة.
(5) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم))(أبو داود).
فإذا فعل المؤمن هذه المعاصي عاقبه الله بالذل، ولا ينزع عنه الذل حتى يرجع إلى دينه, فيترك ما أمر الله بتركه, ويفعل ما أمره الله بفعله.
إنّ العلاقة بين المعصية والمذلة وبين الطاعة والعز والكرامة هي علاقة قائمة وسنة جارية وقانون ماضٍ على مستوى المجتمعات كما هو على مستوى الأفراد, وهذا واضح من مراجعة النصوص المذكورة أعلاه.
السؤال (30): هل العورة قبيحة؟.
قال تعالى: (فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) (الأعراف: من الآية22).
وقال تعالى: (فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) (طـه: من الآية121).
إن معنى قوله تعالى: (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) هو أنهما شرعا يقطعان الورق ويلزقانه على عوراتهم, ومنه خصف النعل, والخصّاف هو الذي يرقعها.
القبح والجمال مسألة شرعية وليست مسألة عقلية, وهذا أصل متفق عليه عند أهل السنة, وقوله تعالى: (وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) تعقيباً على انكشاف السوأة دليل على أنّ كشف العورة أمر قبيح.
ولذلك قال القرطبي في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن): ((وفي الآية دليل على قبح كشف العورة, وأن الله أوجب عليهما الستر, ولذلك ابتدرا إلى سترها, ولا يمتنع أن يؤمرا بذلك في الجنة كما قيل لهما: (ولا تقربا هذه الشجرة). وقد حكى صاحب البيان عن الشافعي أن من لم يجد ما يستر به عورته إلا ورق الشجر لزمه أن يستتر بذلك, لأنه سترة ظاهرة يمكنه التستر بها, كما فعل آدم في الجنة)).
السؤال (31) هل الأمر للإيجاب والنهي للتحريم؟.
قاعدة الأمر للإيجاب والنهي للتحريم هي من القواعد المعروفة في أصول الفقه, وهي مذهب جمهور الأصوليين, وإنّ الذي دعانا للكلام عنها في سياق هذا البحث هو ورودها في قصة إبليس في القرآن.
فالله تعالى قد أمر إبليس ومعه الملائكة بالسجود لآدم, والله تعالى قد نهى آدم ومعه زوجته حواء عن الأكل من شجرة بعينها من أشجار الجنة وفي سياق القصة ما يؤكد هذه القاعدة الأصولية.
قال تعالى: (ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) (الأعراف: من الآية11).
فهذا أمر من الله وهو قوله تعالى: (اسجدوا) وترتب على مخالفة هذا الأمر من قبل إبليس, التقريع والتوبيخ من الله تعالى لإبليس، فقال تعالى: (قال ما منعك ألاّ تسجد)، ثم ترتب عليه الإخراج من الجنة لقوله تعالى: (قال فاهبط منها) (الأعراف:13)، والإخراج من الجنة عقوبة، ولذلك نقول: إن الأمر يفيد الوجوب لأن مخالفته أدت إلى العقوبة، ولذلك قال جمهور الأصوليين: الأمر يفيد الوجوب إلا إذا وُجدت قرينة تخرجه عن الوجوب إلى غيره من الأحكام كالندب والإباحة والدعاء.
والله تعالى نهى آدم وزوجته عن الأكل من شجرة بعينها من أشجار الجنة فقال: (وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأعراف: من الآية19).
وترتب على مخالفة هذا النهي عقوبة وهي انكشاف العورة فقال تعالى: (فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا، كما ترتب عليه عقوبة أخرى وهي قوله تعالى: (فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) ، ولذلك فالنهي يفيد التحريم لأن مخالفته أدت إلى العقوبة.
وقال جمهور الأصوليين: إنّ النهي يفيد التحريم إلا إذا وجدت قرينة تخرج هذا النهي عن التحريم إلى الكراهة أو الإباحة أو غير ذلك.
ولكل من هاتين القاعدتين أدلتهما من القرآن والسنة, وإنما أوردناهما هنا للإشارة إلى أول أمر من الله لم ينفذه من أُمر به, وإلى أول نهي من الله لم ينفذه من نهي عنه.
السؤال (32): هل إبليس من أهل القَدَر أم من أهل الجَبْر؟.
مسألة القدر والجبر من المسائل المعضلة في الفكر الإسلامي, وقد ضلّ في هذه المسألة فريقان, ولا يزال الناس كذلك يضلون في هذه المسألة.
فالقدرية أثبتوا للإنسان المشيئة ولم يثبتوا لله المشيئة, والجبرية أثبتوا لله المشيئة ولم يثبتوا للإنسان المشيئة, والقدرية قالوا بقدرة الإنسان على خلق أفعاله, والجبرية نفوا عن الإنسان القدرة على ذلك.
وفي قصة إبليس في القرآن ألفاظ تفيد القدر وألفاظ تفيد الجبر, فقوله: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي) (الأعراف: من الآية16)، نسب الإغواء إلى الله ونفاه عن نفسه, وقوله تعالى: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) (طـه: من الآية121) نسب الغواية إلى آدم, وقوله: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي) (الحجر: من الآية39) نسب الغواية إلى الله, وقوله: (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (الحجر: من الآية39) نسب إبليس الغواية إلى نفسه ونفاها عن الله, وقوله تعالى: (إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) (الحجر: من الآية42) نسب الغواية إلى أصحابها, وقوله تعالى: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (ص:82) نسب الغواية إلى إبليس,إلى غير ذلك من النصوص القرآنية.
القائل بالقدر أعور ينظر إلى النصوص بعين واحدة, والقائل بالجبر أعور ينظر إلى النصوص بالعين الأخرى, والقول بالقدر إفراط كما إنّ القول بالجبر تفريط, والقائل بالقدر ظالم لله بالانتقاص من مشيئة الله أو نفيها, كما إنّ القائل بالجبر ظالم للإنسان بالانتقاص من مشيئة الإنسان أو نفيها.
والقول الصحيح في مسألة القدر والجبر هو ما نص الله عليه في كتابه بالنصوص الجامعة:
ومن خلال قراءة هذه النصوص نخلص إلى القاعدة الصحيحة في مسألة القدر والجبر وهي: إنّ الله تعالى أثبت للإنسان مشيئة وأثبت لنفسه مشيئة وجعل مشيئة الإنسان لا تخرج عن مشيئة الله.
وقد ضلّ من أخذ ببعض النصوص دون البعض الآخر, إذ إنّ الأصل في التعامل مع النصوص هو عدم الأخذ ببعضها دون البعض الآخر بل الأخذ بها جميعاً, ومثال ذلك ضلال الجبرية حين أثبتوا المشيئة لله ولم يثبتوا للإنسان مشيئة آخذين ببعض النصوص دون البعض الآخر, وكذلك ضلال القدرية حين أثبتوا المشيئة للإنسان ولم يثبتوا لله مشيئة آخذين ببعض النصوص دون البعض الآخر, والصحيح كما أسلفنا هو إثبات المشيئة للإنسان وإثبات المشيئة لله والقول بأن مشيئة الإنسان لا تخرج عن مشيئة الله جمعاً بين النصوص.
وإبليس تشابه الأمر عليه فشبّه على الناس, فقال مرة بالقدر وقال مرة بالجبر، فلننظر ذلك في قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (الحجر:39)، فقوله (بما أغويتني) يدل على أنّ إبليس يقول بالجبر, وقوله (ولأغوينهم) يدل على أنّ إبليس يقول بالقدر.
وإنما أوردنا مسألة القدر والجبر في سياق الكلام عن قصة إبليس في القرآن للبيان بأن القدرية هي من تلبيس إبليس على الناس وأن إبليس أول من قال بالقدر, وللبيان بأن الجبرية هي من تلبيس إبليس على الناس وأن إبليس أول من قال بالجبر, ولوضع النصوص في موضعها الصحيح وبيان القول الصحيح في هذه المسألة.
والأساس في ضلال الفرق هو البعد عن الاعتدال، وذلك إما بالإفراط وإما بالتفريط, والقول بالقدر إفراط كما إنّ القول بالجبر تفريط.
والقول بنفي الصفات عن الله إفراط كما إنّ القول بتشبيه صفات الله بصفات خلقه تفريط, ومن هنا هلك المعطلة والمجسمة بالإفراط والتفريط في مسألة صفات الله.
والإمام علي رضي الله عنه يقول: ((هلك فيَّ اثنان: محب غالٍ ومبغضٌ قالٍ)) فأفرط البعض في محبة عليّ فنسبوا إليه شيئاً من صفات الألوهية، وفرطَّ آخرون في محبته حتى تجاوزوا الحد ورموه بالكفر, إلى غير ذلك من الأمثلة على الإفراط والتفريط, وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ((خير الأمور أوساطها))(جامع الأصول من أحاديث الرسول) أي: أعدالها.
السؤال (33): ما معنى قوله تعالى: (ولا تجد أكثرهم شاكرين)؟.
هذا من خطاب إبليس لله تعالى حيث قال: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) (الأعراف:16ــ 17).
فأقسم إبليس أن يُضلَّ ويغوي أغلبية الناس، وكان ذلك القول منه مجرد توهم وظنٍ وليس قائماً على أساسٍ من العلم، ولكن ذلك التوهم والظن كان في علم الله كما قال, فقال تعالى في ذلك: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (سـبأ:20).
قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) ((قول إبليس هذا إنما هو ظن منه وتوهم، وقد وافق في هذا الواقع، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ)) .
أكثرية الناس لا يؤمنون, وأكثرية الناس لا يشكرون, وأكثرية الناس كافرين بالله, وهذه قاعدةٌ قرآنية نجد مصداقها في الواقع, وقد نص القرآن عليها في أكثر من موضع:
(إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) (غافر:59).
(وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) (غافر: من الآية61).
وكون أكثر الناس لا يؤمنون لا يعني ذماً للأكثرية بشكلٍ مطلق، وإنما هو ذم للأكثرية العامة المذمومة, أما الأكثرية داخل الصف الإيماني فليست مذمومة، وإنما هي محمودة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سألت الله أن لا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها)) (أحمد). ولقوله: ((اثنان خير من واحد, وثلاثة من اثنين, وأربعة خيرٌ من ثلاثة, فعليكم بالجماعة فإن الله لم يجمع أمتي إلا على الهدى)) (أحمد).
السؤال (34): لماذا خلق الله إبليس؟.
الجواب على ذلك شبيه بالجواب على السؤال لماذا خلق الله آدم؟.
وذلك أن السؤال بلماذا على الله غير جائز أدباً مع الله وتعظيماً لقدره وإقراراً بألوهيته، لأن الله تعالى يقول: (لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون) (الأنبياء:23)، فالمؤمن الجاد لا يسأل ذلك إقراراً وتصديقاً بكتاب الله, والملحد الجاد لا يسأل ذلك لأنه لا يعترف بوجود الله أصلاً, وإنما يسأل ذلك جاهل يجب تعليمه أو هازل يجب عدم الرد عليه.
أما السؤال عن الحكمة من خلق الله تعالى لإبليس فجائز. والجواب: إنّ ذلك مما استأثر الله بعلمه, فكما قال الله تعالى للملائكة حين سألوا عن الحكمة من خلق آدم وبنيه: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) فأجاب الله تعالى: (قال إني أعلم ما لا تعلمون) فكذلك نقول هنا: إنّ الله خلق إبليس قبل خلق آدم, وإنّ الحكمة من خلق إبليس هي مما استأثر الله بعلمه فقال: (قال إني أعلم ما لا تعلمون) (البقرة:30).
ومثل هذا كثير كمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلا الله (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ) (الأنعام: من الآية59).
وهناك وجه في التفسير لا يعلمه إلا الله حيث قال ابن عباس: ((التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العربية من لغتها, وتفسير لا يعذر أحد بجهالته, وتفسير يعلمه العلماء, وتفسير لا يعلمه إلا الله))(الطبري).
والسؤال لماذا خلق الله إبليس هو من الأسئلة التي سألها إبليس فقال: لم خلقني؟ وما الحكمة في خلقه إياي؟ ذكر ذلك أبو الفتح الشهرستاني في كتابه (الملل والنحل) فقال:
((بيان أول شبهة وقعت في الخليقة, ومن مصدرها في الأول ومن مُظهرها في الآخر.
اعلم أن أول شبهة وقعت في الخليقة: شبهة إبليس لعنه الله .
ومصدرها استبداده بالرأي في مقابلة النصّ, واختياره الهوى في معارضة الأمر, واستكباره بالمادة التي خلق منها وهي النار على مادة آدم عليه السلام وهي الطين. وانشعبت من هذه الشبهة سبع شبهات, وسارت في الخليقة وسرت في أذهان الناس حتى صارت مذاهب بدعة وضلالة, وتلك الشبهات مسطورة في شرح الأناجيل الأربعة: إنجيل لوقا, ومارقوس, ويوحنا, ومتى, ومذكورة في التوراة متفرقة على شكل مناظرات بينه وبين الملائكة بعد الأمر بالسجود والامتناع عنه. قال كما نقل عنه:
إني سلَّمت أن الباري تعالى إلهي وإله الخلق عالم قادر ولا يسأل عن قدرته مشيئته, وأنه مهما أراد شيئاً قال له كن فيكون, وهو حكيم, إلا أنه يتوجه على مساق حكمته أسئلة.
قالت الملائكة: ما هي؟ وكم هي؟. قال لعنه الله: سبعٌ.
الأول منها: أنه قد علم قبل خلقي أي شيء يصدر عني ويحصل مني, فلم خلقني أولاً؟ وما الحكمة في خلقه إياي؟.
والثاني: إذ خلقني على مقتضى إرادته ومشيئته, فلم كلفني بمعرفته وطاعته؟ وما الحكمة في هذا التكليف بعد أن لا ينتفع بطاعة ولا يتضرر بمعصية؟.
والثالث: إذ خلقني وكلفني فالتزمت تكليفه بالمعرفة والطاعة فعرفت وأطعت, فلم كلفني بطاعة آدم والسجود له؟ وما الحكمة في هذا التكليف على الخصوص بعد أن لا يزيد ذلك في معرفتي وطاعتي إياه؟.
والرابع: إذ خلقني وكلفني على الإطلاق, وكلفني بهذا التكليف على الخصوص, فإذا لم أسجد لآدم فلم لعنني وأخرجني من الجنة؟ وما الحكمة في ذلك بعد أن لم أرتكب قبيحاً إلا قولي: لا أسجد إلا لك؟.
والخامس: إذ خلقني وكلفني مطلقاً وخصوصاً, فلم أطع فلعنني وطردني فلم طرّقني إلى آدم حتى دخلت الجنة ثانياً وغررته بوسوستي, فأكل من الشجرة المنهي عنها وأخرجه من الجنة معي؟ وما الحكمة في ذلك بعد أن لو منعني من دخول الجنة لاستراح مني آدم, وبقي خالداً فيها؟.
والسادس: إذ خلقني وكلفني عموماً وخصوصاً, ولعنني, ثم طرّقني إلى الجنة وكانت الخصومة بيني وبين آدم, فلم سلطني على أولاده ولا يؤثر في حولهم وقوتهم, وقدرتهم واستطاعتهم؟ وما الحكمة في ذلك بعد أن لو خلقهم على الفطرة دون من يحتالهم عنها فيعيشوا طاهرين سامعين مطيعين كان أحرى بهم وأليق بالحكمة؟.
والسابع: سلمت هذا كله, خلقني وكلفني مطلقاً ومقيداً, وإذ لم أطع لعنني وطردني, وإذ أردت دخول الجنة مكنني وطرّقني, وإذ أردت دخول الجنة مكنني وطرّقني, وإذ عملت عملي أخرجني ثم سلطني على بني آدم, فلم إذ استمهلته أمهلني؟ وما الحكمة في ذلك بعد أن لو أهلكني في الحال استراح آدم والخلق مني وما بقي شر ما في العالم؟ أليس بقاء العالم على نظام الخير خيراً من امتزاجه بالشر؟.
قال إبليس: فهذه حجتي على كل ما ادعيته في كل مسألة.
قال شارح الإنجيل: فأوحى الله تعالى إلى الملائكة عليهم السلام, قولوا له: إنك في تسليمك الأول أني إلهك وإله الخلق غير صادق ولا مخلص, إذ لو صدقت أني إله العالمين ما احتكمت علي بلم, فأنا الله الذي لا إله إلا أنا, لا أسأل عما أفعل والخلق مسؤلون)).
هذه الإجابة التي سطرها أبو الفتح الشهرستاني نقلاً عن الملائكة حسب قول شارح الإنجيل هي الجواب على كل لِمَ ولماذا على الله؟.
فالخالق ليس كالمخلوق وما يجوز على المخلوق هنا لا يجوز على الله, فالله كما وصف نفسه في كتابه ) لا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون( (الأنبياء:23), ولا يجتمع الإيمان بالله مع السؤال بـِلمَ ولماذا على الله, إذ لا بد أن يذهب أحدهما بالآخر, فإما إيمان ولا سؤال بلم ولماذا على الله, وإما السؤال بلم ولماذا على الله ولا إيمان.
السؤال (35): ما هي الكلمات التي وسوس بها إبليس لآدم وزوجته؟ ولماذا وسوس بهذه الكلمات دون غيرها؟.
وقال لآدم: (يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى) (طـه: من الآية120).
وإنّ الله تعالى نهى آدم وحواء عن الأكل من شجرة بعينها من أشجار الجنة بعد أن أمرهما بسكنى الجنة، فقال: (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأعراف:19).
ومن هنا عمد إبليس لإقناع آدم وزوجته بالأكل من الشجرة التي نهيا عن الأكل منها, وجاءهما من غريزة حب البقاء في الإنسان, فكذب عليهما موهماً إياهما بأنهما إذا أكلا من الشجرة حصل لهما البقاء والخلود والملك الذي لا يبلى، فسمى لهما الشجرة بأنها شجرة الخلد أي من يأكل منها يخلد فلا يموت (شجرة الخلد) (أو تكونا من الخالدين).
وغريزة حب البقاء والخلود لا ينكر أحد من الناس وجودها بداخله, وذلك أن الكافر يتمنى لو يعيش الدهر كله, ولا يتمنى أن تكون للحياة نهاية, وقد قرر الله ذلك في كتابه فقال: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ) (البقرة: من الآية96), وكلمة ألف سنة هنا كناية عن الدهر.
أما المؤمن فإنه إذ لا يتمنى الخلود في الدنيا ويرغب في الموت فإنه يرغب بخلود الآخرة والبقاء الذي لا يزول في الآخرة, وهذا الفرق في التمني بين المؤمن والكافر لا يغير من قولنا: إنّ في داخل الإنسان غريزة حب البقاء والخلود. ولذلك نجد أن الله تعالى وعد المؤمنين بالخلود في نعيم الجنة جزاء على الإيمان والاستقامة, وتوعد الكافرين بالخلود المعاكس, أي الخلود في جحيم الآخرة وعذابها عقوبة على الكفر والعصيان.
ولعل من غريزة حب البقاء حرص الإنسان على الزواج وإنجاب الأولاد الذكور الذين يحملون اسمه من بعده ويجد فيهم صورة شبيهة بصورته وفي هذا تحقيق بسيط لغريزة حب البقاء والخلود.